يعتبر كثير من فقهاء الظلام، ووعاظ السلاطين الأبرار، أن الانتشار السرطاني المذهل للجهل والأمية والسحر والشعوذة،
والاعتقاد المطلق بالطلاسم والغيبيات، وازدياد نسب الفقر، وانخفاض مستوى التعليم، وإطلاق اللحى، وانتشار الجلباب والحجاب والنقاب، والشادور الأسود، وكثرة جرائم الشرف وتنوعها، وتناسل فضائيات البترودولار وفتح أبوابها على مصراعيها، وبتواطؤ مكشوف مع أنظمة القهر والاستبداد ووزارات الإعلام، للدعاة من أصحاب الحلول السهلة والجاهزة، والخطاب التسطيحي التبسيطي الغيبي، والتغرير علناً بالقصّر لارتكاب جرائم استباحة الحياة تحت مسمى العمليات الاستشهادية التي لم يقم بها أي معمم، أو أي واحد من ذريته المنتفخة الأوداج بفعل عوائد النفط والبترودولارات حتى الآن، والدعوة لزهق الأرواح البريئة على رؤوس الأشهاد، وسب الروافض والملل والنحل والطوائف، و"خنزرة"، و"قردنة" وتكفير بقية شعوب الأرض على الملأ، ودون خوف، ولا وجل، أو أية تبعات لحساب أو عقاب قانوني، لأن جميع دساتير هذه المجتمعات "الصحوية" تحمي القتلة والموتورين الأشقياء تحت يافطة الشرف والشريعة السمحاء، وأن تكاثر العمائم وتنوعها، ونسف المدارس، وتفجير الأطفال، وترويع السكان الآمنين، وانتشار الجوامع بدل المصانع والمدارس والجامعات ومعاهد التكنوقراط، وتفجيرات 11 سبتمبر، وبالي ومدريد ولندن ونيروبي، وسياسات التجهيل، ومسح الأدمغة، وختم العقول بالتابوهات وبالشمع الأسود الفكري السلفي الوهابي الخطير، وحشوها بشتى الأباطيل والزعبرات والأساطير والخزعبلات والترهات، وازدياد الغلو والتطرف والفتاوى التحريضية وقطع رؤوس العباد، وعودة الحياة قروناً ضوئية إلى الوراء إلى عصر الحريم والجواري والغلمان الخصيان والتابعين الأرقاء، والخروج بمذلة، ونهائيا من العصر، ومن كل ميادين سباقات العقل والموهبة والشرف والإبداعات، والعودة إلى الحقب الجيولوجية الآفلة السحيقة الدهماء، يعتبرون كل هذا وغيره مما لا يسر الحال، نوعاً من الصحوة، ويدرجونه تحت مسمى الصحوة الإسلامية التي يتغنون ويتشدقون بها صبح مساء على الشاشات. هذا ما تجلى حتى الآن من هذه الصحوة الخيلاء. ومن مظاهرها الفقعاء، أيضاً، بروز نجوم دوليين كبار، لا يشق لهم غبار، في التفنن والإيغال في القتل ومص الدماء وزهق الأرواح، وقتل الناس، كابن لادن والظواهري وأبي سياف، والزرقاوي، وأبي حفص المصري، وأبي قتادة، وأبي عمر البغدادي وأبي جهل، وأبي لهب، وبقية شلة الغربان، ودون أن نسمع من وعاظ السلاطين، وفقهاء الزمان، ومفتيي قصور أباطرة العربان، أية إدانة لأفعال هؤلاء المجرمة المنكرة الشنعاء، بل يطلقون عليهم ألقاب التفخيم والتقديس والتعظيم، كالشيخ المجاهد، والشهيد البار، والشفيع الولي التقي النقي المختار. ويندر أن نرى في هذه الصحوة المزعومة أية قصص عن الوحدة والتلاحم والاتحاد، أو عن التسامح، والحب، والإيثار، أوالدعوة لتجاوز الماضي، ورص الصفوف، ونسيان الأحقاد. بل دعوات نارية ولاهبة لتأجيج الصراعات، ونبش للأموات ونكء الجراح، وتعميق للشروخ، وميل عجيب للتشرذم والتباعد والانقسام. وتحفل خطب الوعظ الدينية أيام الجمع، وحلقات الذكر التي يساق إليها الفتيان الصغار، بحملات التهديد والوعيد والاقتصاص من جماعات غير محددة من البشر الأبرياء، وملء صدورهم الغضة الطرية، وتشويه نفوسهم وشحنها بالكراهية والحقد والبغضاء، والقسم بالثأر، وإشعال الحروب، والدعوة على الآخرين بالويل والثبور والموت والهلاك. كما أنه من العسير جداً أن يلمس المرء أي إنجاز حضاري، أو فتح علمي، واختراق طبي، واختراع إنساني يخفف من آلام البشرية، ويعود عليها بالنفع والخير والرفاه في هذه الصحوة الغفلاء. وتتصدر هذه المجتمعات، ومن طنجة إلى جاكرتا، والتي يلعلع فيها صوت أصحاب الصحوة، القوائم السوداء في مجالات الفقر، والأمية، والفساد، وانتهاك الحريات والحرمات، ونهب الثروات والاستبداد، والتمييز العنصري للمكونات الاجتماعية والطبقية الأشد فقراً وعوزاً وضعفاً، واحتقار النساء، واضطهاد الأقليات. ولعل غياب اسم أية جامعة عربية وإسلامية، من قائمة الخمسمائة جامعة رائدة على مستوى العالم، لهو أكبر دليل على همجية وانحطاط وتخلف وسبات هذه المجتمعات، لا صحوتها، وتفنيد لمزاعم هذه الصحوة الكاذبة، وأنه لم يكن هناك ثمة صحوة حقيقية بل كبوة طال أمدها حتى تكلست وتشرنقت بفعل التقادم وعوامل الدهر والزمان. ومن يدخل أي مدينة من مدن "الصحوات" هذه سيلاحظ التشابه الكبير في الإطار العام من حيث تواضع الخدمات، وتهالك البنى التحتية، وتراكم المشكلات، واحتقان النفوس، وتأزم الأوضاع المعيشية للناس، التي تعيش تحت وطأة كوابيس الفقر، والفوضى، وانسداد الآفاق، والتردي والبؤس العام وانعدام الأمل والخلاص أمام الشباب. ومع أن الإشارة إلى وجود صحوة إسلامية حالية، يعني ضمناً، وبالمآل، وجود غفوة، أو كبوة إسلامية سابقة، وهذا ما يزعج ولا يعترف به الفقهاء عند حديثهم عن التراث والماضي المليء بالورود والرياحين والصفحات الوردية والخضراء، وليس فيه، بمجمله، ما يشين، أو يعكر الصفو والمزاج العام. لا بل يعتبرون، مثلاً، الخلافة العثمانية الانكشارية المتخلفة، والتي استمرت أربعمائة عام بالتمام والكمال، واحدة من أنصع الصفحات في تاريخ "الأمة"، ويحاول بعض الصحويين الكرام إعادة إحياء هذا التراث الفذ العظيم. ومع ذلك فإن الصحوة الإسلامية، إياها التي يتغنى بها المفتونون من الوعاظ والمخدرون من الدهماء، تكاد تخلو من أي كلام عن العدل والخير والمحبة والمساواة، أو أية إشارات لحقوق الإنسان، والشفافية وتوزيع الثروات الوطنية، المهدورة والمنهوبة، بالعدل بين الناس. لم يتغير شيئاً في عصر الصحوة الإسلامية المزعومة، في مصير وأحوال هذه الشعوب، التي تزداد فقراً على فقر، وبؤساً على بؤس، ولم تجلب لهم صحوة وعاظ السلاطين اللفظية هذه سوى الخيبة وانكسار الآمال، والشعور المرير بالقهر والفشل والخذلان. بل على العكس، استفحلت المخاطر، وازدادت التهديدات، وتفشت عوامل التداعي والانهيار. فبئسها من صحوة إسلامية، يروج لها هؤلاء الوعاظ، لا تنعكس خيراً وإيجابية وتقدماً ورفاهاً وحباً وسلاماً وازدهاراً، على هذه الشعوب الفقيرة "المشحوطة" المبتلاة، والمنكوبة المقعدة الكسحاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق